الكرسي الياباني الذي يحتضنك فور أن تجلس عليه
يأتي الغروب منهياً يوماً اعتكفت أثنائه في المكتب لإنهاء عمل بلا قيمة تكمن أهميته الحقيقية في امتصاصه لذرات أيامي وابتالعها بنهم، وهو عمل دائماً مستعجل وطارئ يحمل لي في طياته بوادر السكري، وطلائع مرض نفسي غامض.
أتجه إلى المنزل متخذاً طريقي الذي لم تطأه إلا أقدام المغتربين، أفكر في معنى انتمائي لهم، أعلم أنني أحاول اللعب مع عقلي ومننطقة أي تفسير يجعلني أستسيغ الحياة وم وأبتلعها وقد أضاف لها سكر المنطق بعض الحلاوة. لطالما حاولت أمي إقناعي بأن الغربة من الغرب وأنني سأصاب بها إذا اتجهت إلى البلاد الغربية المتجمدة التي لقلوب أهلها نصيب من جوها، لكنني اكتشفت غير ذلك، فأحد أصدقائي يقطن بحي “الغريب” في السويس، والسويس شرق القاهرة يا أمي حتى لو لم تكن نظرياً خارج مصر. إحتفظت باكتشافي لنفسي لكنني، رغم ذلك، اتجهت شرقاً إلى دولة شمسها وغربتها لا يرحمان. أجلس إلى الطاولة محاوال استساغة طعامي المعلب الخالي من النفس، أزدرد الأرز البسمتي الذي يعلوه الأرز المصري سعرا في هذه البلاد، حبة حبة تهبط بداخل جسدي المنقبض.
جسدي اليوم ليس منقبضاً بدرجة كبيرة، أو هكذا أحاول التفكير، فباألمس اشتريت لعبة ظنها البائع لإبني الذي لم أعرف له أم حتى الآن، بعدما ابتعتها حملتها في شغف إلى فراشي وتحدثت إليها فرددت كلماتي في مرح. كانت قطة بلاستيكية رمادية ذات عيون خضراء، تحادثني كما أحادثها من خلال مسجل لللصوت يعيد علي كلماتي، غمرتها بكلمات الحنان التي ردتها إلى مرحاً وسعادة، سدت مؤقتا تلك الفجوة الموحشة التي أردت ملأها بإيواء قط حقيقي ربما يشعر بالإغتراب مثلي، لكنني خشيت عليه من الجوع أثناء ساعاتي الطويلة في العمل التي قد تمتد إلى المبيت، ورفض الحافلات العائدة إلى مصر اصطحاب الحيوانات على متنها.
يبدو أن الليل قد أضاف ستاراً إضافياً إلى قلبي الذي ما زال يخفق في قلق ويفكر في كيفية ادخار المال الالزم لشراء ذلك الكرسي الياباني الذي يحتضنك فور أن تجلس عليه، لكن الكرسي يسهل التخلص منه يوم عودتي إلى مصر، ببساطة سأبيعه، فكم من مغترب هنا يحتاج إلى حضن حتى لو لم يكن ذلك الحضن بشرياً.